من الأمور التي تبيّن نواقص النّفس الإنسانيّة و قصورها الحيرة التي تعتلج في صدور النّاس حين يهمّون بفعل شيءٍ أو تركه ، و حين يريدون اتخاذ قرارٍ في أمورٍ مصيريّةٍ في حياتهم ، فالرّجل يتردّد حين يقبل على الزّواج في اختيار المرأة المناسبة له ، و كذلك المرأة تتردّد في اختيار شريك حياتها ، و ترى الطّالب حين ينهي حياته المدرسيّة و يهمّ بدخول الجامعة يتردّد في اختيار التّخصص المناسب لدراسته الجامعيّة ، و كثيرٌ من النّاس يمرّ بهم تلك اللحظات من الحيرة و التّردّد في حياتهم و معاملاتهم ، و قد كان النّاس في الجاهليّة يتخبّطون في الضّلال و التيه ، فكان أحدهم إذا أراد أن يهمّ بفعل شيءٍ أو أراد الخروج لأمرٍ توجّه إلى عشّ طيرٍ و من ثمّ قام بتهييش الطّير و يراقبه كيف يتوجّه يميناً أو شمالاً ، فإذا طار يميناً استبشر بذلك خيراً و همّ بفعل الأمر و سمّي ذلك الطّائر بالسّانح ، و إذا توجّه الطّائر شمالاً تشاءم من ذلك و تطيّر و نكص عن الأمر و تراجع ، و عندما جاء الإسلام أبطل تلك الأفعال كلّها ، و صحّح عقيدة النّاس بتوحيد الله وحده و التّوجّه إليه بالرّجاء و الخشية و حسن التّوكل عليه ، و قد بيّن النّبي صلّى الله عليه و سلّم منهج التّوكل على الله بأن يعقل الإنسان في أمره بأن يأخذ بالأسباب ثمّ يتوكل على الله ، و لو توكّل النّاس على الله حسن التّوكل لرزقهم كما يرزق الطّير تغدو خماصاً أي بطونها فارغةً ثمّ تروح في آخر اليوم بطاناً أي ممتلئةٌ بطونها بما رزقها الله .
و قد بيّن النّبي صلّى الله عليه وسلّم المنهج الذي ينتهجه المسلم حين يهمّ بفعل شيءٍ ، فيقوم بأداء ركعتين سوى الفريضة ثمّ عندما ينتهي يدعو الله بقوله اللهم إنّي أستخيرك بعلمك و أستقدرتك بقدرتك ، و أسألك من فضلك العظيم ، فإنّك تعلم و لا أعلم ، و تقدر و لا أقدر ، و أنت علّام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم بأنّ .. و يسمّي الأمر الذي يريد فعله ، هو خيرٌ لي في دنياي و معاشي و عاجل أمري و آجله فاقدره لي و يسّيره لي ثمّ بارك لي فيه ، و إن كنت تعلم بأنّ هذا الأمر و يسمّه هو شرٌ لي في دنياي و معاشي و عاجل أمري و آجله ، فاصرفه عنّي و اصرفني عنه ، ثمّ اقدر لي الخير حيث كان ثمّ رضّني به .
المقالات المتعلقة بما هي صلاة الاستخارة